في مرحلة ما من عمر المرء منا يبدأ التساؤل عن الأثر الذي يرغب في صناعته يطرح نفسه بإلحاح شديد، ويضغط على عقولنا. وربما سيطرت هذه الفكرة بقوة على تفكيرنا، واعتبرها بعضنا مقياسا وحيدا لنجاحه فيما مضى من سنين العمر، وهذا وحده سبب كافٍ لإيجاد حالة من الضغط النفسي، ومقارنة الذات بالأقران وفق هذا المعيار. مما يضطرنا أن نعيش حركة دؤوبة تقطع الأنفاس، لكي نترك من بعدنا أثرا لا يُنسى.
و الحقيقة أن هذا المسار يجب أن يوظف ويصوب، باتجاه العمل الهادف الواضح، المبنى على تبني فلسفة شخصية واضحة لمفهوم السعادة ومفهوم التأثير.
مفهوم التأثير
التأثير كلمة ساحرة جذابة، ارتبطت بشكل وثيق بالقيادة، ولن تجد تعريفًا للقيادة إلا ويذكرها منطوقة أو مفهومة. ذلك لأن التأثير هو جوهر حركة وعلاقة القائد بمرؤوسيه، ولا يُتصور على الإطلاق وجود قائد غير مؤثر.
ماهو التأثير؟
التأثير: هو عملية تفاعل وتواصل بين المؤثر والمتأثر للحصول على استجابة مطلوبة.
أسرار التأثير السبعة
جمعت لك عزيزي القارئ حصيلة قراءتي عن التأثير وأسرار صناعته في سبعة أفعال رئيسة عليك ممارستها بوعي لتتمكن منها وتحقق التأثير الذي تنشده فيمن حولك.
- ابنِ مصداقيتك.
المصداقية بحسب كوزيس وبوسنر أن تقول ما تؤمن به حقا، وأن تتصرف وفق ما تقول، وهي في مفهومنا الإسلامي تُختصر بكلمتين (الصادق الأمين)، فالصدق مع الذات في أن تقول وتتصرف انطلاقا مما تؤمن به، وأن توافق أفعالك، وتكون أول من يعمل بالمبادئ التي تعتنقها وتدعو الناس لها، ومن هنا تنشأ مصداقيتك ويؤمن الآخرون بقيادتك ويتقبلونك.
- كن حاضرًا عند الحاجة إليك
القائد محل الثقة يتسم بالحضور الفاعل في الصراعات والأحداث المرتبطة برؤيته ، والتي لا يتصور غيابه عنها، ففي الملمات يترقب الناس شخصًا فاعلاً يضع الأمور في نصابها ويوجه الأحداث توجيهًا يخدم رؤية الفريق أو المنظمة، وليس ثمة محطم للثقة أشد من أن يفتقدك الناس حيث يتوقعون حضورك.
- كن ذا صوت قوي
يُؤثَر عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه (إذا نطق أسمَع..) فالصوت القوي أكثر تبيانًا وأوضح في توصيل الرسالة من الصوت الضعيف الهزيل الهامس، لما فيه من ثقة القائل فيما يقول واستعداده لمواجهة المعارضة بالحجة والبرهان.
- كوّن علاقة تشاركية مع الآخرين.
العلاقة التشاركية مع الآخرين تعني الاستعداد التام لإشراكهم في الرؤية والمسار والقرار، فالناس تحترم القرار الذي يشاركون في صنعه، ويصبحون أكثر ارتباطًا بالفريق الذي تشاركوا معه بناء الرؤية. ذلك أن القائد هنا يثبت احترامه لعقول أفراده وفريقه وثقته بهم، إلى مستوى أن يشاركهم في صناعة القرار، وتحديد مسار ومستقبل الفريق والمنظمة.
- وضّح توقعاتك بدقة ومارس المساءلة
على القائد أن يبين بوضوح توقعات الإنجاز والأداء من فريق العمل، بأعلى مستوى من الدقة، وفق مؤشرات ومعايير محددة بين الطرفين. تُيسّر على الفريق مهمة الأداء والإنجاز، وقياس مستويات التقدم، وتُعين القائد على المساءلة.
- شارك شغفك ورؤيتك
لن يتبعك الناس أو يتأثروا بك إن كنت ضبابيًا أو غامضًا، بل يتحتم عليك كقائد أن تمتلئ إيمانًا برؤيتك وشغفك، ثم تشاركها مع الفريق، وترسخها لديهم، وذلك لن يحدث إلا إن كانت رؤيتك وشغفك واضحة في تبنيها لمصلحة الفريق والمنظمة، وليس مجرد شغف ورؤية شخصية أنانية؛ فذلك بالطبع لن يشجع الآخرين على تقبلك.
- كن متقبلاً للتأثير
القائد هو أيضا إنسان؛ من طبعه أن يتأثر كما يؤثر، فما دمت عضوًا في الفريق أو قائدًا يجب أن توطن نفسك على تقبل التأثير الإيجابي الوارد إليك، وذلك يعني تقبل الرأي المخالف وعدم التصلب في المواقف، والتنازل عن الرأي الشخصي لصالح الفريق أو المنظمة.
إن التأثير من العمليات المعقدة، لارتباطها الشديد بأمزجة ونفسيات المتأثرين، و لا يمكن أن يحدث التأثير إلا كنتيجة تراكمية لعناصر الثقة في المؤثر تؤدي لاستجابة المتأثر به. وهذه “التراكمية” لا ترتبط بالطبع بالعنصر الزمني بقدر ارتباطها بمكونات الثقة ذاتها.
المصدر موقع : مدونة حضرمي :