الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد :
كلما اشتد الحر نظرنا إلى السحب التي تمر من فوقنا ورفعنا اكف الضراعة قائلين( اللهم اسقنا واغثنا ) وعندنا يقين ان الأمر بيد الله وحده لأنه المصرف والمدبر للكون .
وما اجمله من شعور عندما يبداء تساقط قطرات المطر وكأن وقعها على القلوب قبل الأرض ، تنشرح النفوس باستنشاق عبق الأرض للوهلة الأولى لتساقط الغيث ، فتشم رائحة تعود بك إلى زمن الطفولة و ما اجملها من لحظات وابتهاج بالغيث اذا نزل مستبشرين بما انعم الله عليهم.
الغيث نعمة من نعم الله تستوجب الحمد والشكر و لهذا بين الله في كتابه بقوله ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (الشورى.٢٨) وما اجمل ما سطره الامام القشيري رحمه الله عند تفسيره للآية قائلا ( الله- سبحانه محيى القلوب فكما أنه «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ» ، فبعدما أصابت الأرض جدوبة، وأبطأ نزول الغيث، وقنط الناس من مجىء المطر، وأشرف الوقت على حدّ الفوات ينزّل الله بفضله الغيث، ويحيى الأرض بعد قنوط أهلها.. فكذلك العبد إذا ذبل غصن وقته، وتكدّر صفو ودّه، (وكسفت) شمس أنسه، (وبعد) عن الحضرة وساحات القرب عهده فلربما ينظر إليه الحقّ برحمته فينزل على سرّه أمطار الرحمة، ويعود عوده طريّا، وينبت في مشاهد أنسه وردا جنيّا..
وأنشدوا:
إن راعنى منك الصدود … فلعلّ أيامى تعود
ولعلّ عهدك باللّوى … يحيا فقد تحيا العهود
والغصن ييبس تارة … وتراه مخضرّا يميد)
انه الغيث الذي يحي الأرض بعد جدوبتها ويحي القلوب لتعود لعلام الغيوب فتنفع بايآت الله الشرعية وآياته الكونية فتقف متأملة في سنن الله في انزال المطر ..
السنة الأولى : تسقط أشعة الشمس على البحار فيتبخر الماء ويبقى الملح حتى يكون المطر عذبا زلالا يستفيد منه الانسان الحيوان والشجر
السنة الثانية : التجميع والتأليف ( ثم يؤلف بينه )
السنة الثالثة : سنة التلقيح للسحب عبر ذرات الغبار
السنة الرابعة : سنة الإنزال والتصريف ( ولقد صرفناه بينهم )
وفي هذه السنن يقول الله تعالى (: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾.قال السعدي في تفسيره : أي: ألم تشاهد ببصرك، عظيم قدرة الله، وكيف { { يُزْجِي} } أي: يسوق { {سَحَابًا } } قطعا متفرقة { {ثُمَّ يُؤَلِّفُ} } بين تلك القطع، فيجعله سحابا متراكما، مثل الجبال. { {فَتَرَى الْوَدْقَ } } أي: الوابل والمطر، يخرج من خلال السحاب، نقطا متفرقة، ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر، فتمتلئ بذلك الغدران، وتتدفق الخلجان، وتسيل الأودية، وتنبت الأرض من كل زوج كريم، وتارة ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه. { {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } } بحسب ما اقتضاه حكمه القدري، وحكمته التي يحمد عليها، { {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} } أي: يكاد ضوء برق ذلك السحاب، من شدته { { يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ } } أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفتقرين، وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر، كامل القدرة، نافذ المشيئة، واسع الرحمة) .
وهمسة الختام ينبغي لأهل الرأي والمشورة أن تكون لهم بصمة في توعية الناس بما يجب عليهم في أخذ الحيطة والحذر بشأن البناء على مجاري السيول وكذا البيوت القديمة للحفاظ على أرواح الناس .
ويأتي دور منظمات المجتمع المدني في تقديم الرؤى والدراسات للطوارئ التي لربما تحصل في حالة حصول فيضانات فتكون الدراسات معدة مسبقاً لتلافي حدوث المصائب المتوقعة .
ونسأل الله أن يحفظ العباد والبلاد وأن يجعلها سقيا رحمة لا سقيا عذاب وهدم .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.
الأستاذ / خالد خميس صبيح