هل سمعت من قبل عن المحتوى دائم الخضرة؟ ولماذا تحرص وسائل الإعلام ليأخذ هذا النوع حيّزا كبيرا من المحتوى الذي تقدمه؟ وهل يمكن توظيف هذا النوع من المحتوى في الإعلام الإنساني والتنموي?؟ حسنًا هذا ما سنتناوله في هذه المقالة.
في البداية نذكر بأن مصطلح “المحتوى دائم الخضرة Evergreen Content ” هو مصطلح إنجليزي نقل إلى العربية عن طريق الترجمة ليسهل تداوله، *ويشير إلى نوع المحتوى الذي لا يفقد قيمته وأهميته بمرور الوقت، أي أنه شبيه بتلك الشجرة التي تتميز بخضرة أوراقها طيلة العام دون أن تتأثر بفصول السنة الأربعة.*
عند تصفحك الإنترنت حتمًا أنك صادفت مرة عناوين من قبيل
( 5 نصائح لإنقاص الوزن، و 10 نصائح لتجاوز المقابلة الشخصية) على موقع أو منصة تواصل اجتماعي تابعة لشبكة إخبارية مشهورة؟ هل تساءلت مثلًا وما دخل نصائح إنقاص الوزن بالأخبار والسياسة؟! مهلا لا تستغرب، هذا ما يسمى بالمحتوى دائم الخضرة، فالخبر الذي تنشره هذه الشبكة عن مقتل مسؤول في دولة ما يوم الأربعاء لن يكون مهما لدى جمهورها في يوم الخميس، لكن نصائح إنقاص الوزن ستظل مهمّة لدى الجمهور لسنوات طويلة وستحظى بآلاف الزيارات والقراءات، دون أن تفقد أهميتها، وهذا الشيء يعزز تصدُر موقع الشبكة أو المنصة في محركات البحث، فعند البحث عن كيفية إنقاص الوزن ستظهر لك هذه المقالة في مقدمة النتائج التي يضعها لك محرك قوقل مثلا، وهذه إحدى الفوائد المهمة للمحتوى دائم الخضرة.
*بعد أن عرفنا أهمية المحتوى دائم الخضرة، كيف يمكن توظيف هذا النوع من المحتوى في الإعلام الإنساني؟*
قبل الحديث عن توظيف المحتوى دائم الخضرة في الإعلام الإنساني، نشير إلى أن هناك خطأ شائع تقع فيه كثير من المؤسسات وهو التركيز بشكل كبير على الأخبار، فتجد أن أغلب محتواها يدور حول “تدشين مشروع، زيارة تفقدية، تسليم مشروع، لقاءات روتينية” وعلى أهمية الأخبار في جزئية إبراز حضور فعالية المؤسسة أو الجمعية، لكن ليس هذا ما ينبغي التركيز عليه، وصرف الوقت والجهد بشأنه، لأن هذه الأخبار ستفقد قيمتها خلال يومين أو ثلاثة، ولو كانت تتحدث عن مشروع قيمته مليون دولار. إذا ما الحل؟ الحل باختصار أن يكون لمؤسستك نصيبها من المحتوى دائم الخضرة.
نعود إلى كيفية توظيف هذا النوع من المحتوى في إعلامنا كمؤسسات إغاثية وتنموية.. يقال دوما بالمثال يتضح المقال، لو افترضنا أن مؤسسة ما استكملت مشروع تدريب في مجال الخياطة لـ 500 امرأة معيلة أسرة، وتم تسليم المستفيدات أدوات المهنة كنشاط ختامي لمشروع، لكنها إعلاميا اكتفت فقط بخبر على صفحتها يقول *(مؤسسة …….. تسلم أدوات المهنة لـ 500 مستفيدة من مشروع ………. في محافظة الحديدة، بحضور المسؤول الفلاني ووالخ)* فهذا الخبر لن يكون مهمًا لدى الجمهور بعد يوم أو يومين أو على الأقل بعد أسبوع، إنه شيء مؤسف، هل رأيت كيف توارى مشروع بهذا الحجم عن الأنظار بكل بساطة؟ *لكن ماذا لوكان المحتوى مغايرا، مثلا (بفضل مشروع……… أصبح بإمكان 500 امرأة من الفئات الأشد احتياجًا في محافظة الحديدة، توفير مصدر دخل إضافي لأسرهن لمواجهة الأعباء المعيشية)*.. هل رأيت الفرق الآن؟، وستكون الصورة أروع لو تابعت المؤسسة مخرجات المشروع بعد أشهر ونشرت محتوى قصصي من قبيل *(من بيتها في مديرية الخوخة، تعمل فاطمة 48 عاما بكل شغف في خياطة الملابس النسائية لمساعدة زوجها في توفير متطلبات العيش، ومواجهة أعباء النزوح…الخ)* فالمحتوى الأول من الصعب على المؤسسة إعادة نشره في منصاتها بعد يومين أو ثلاثة، لكن المحتوى الثاني والثالث بإمكانها إعادة نشره بعد شهر وشهرين وسنة، ومرة ومرتين وثلاث، وهذا ما يلاحظه كل متابع لحسابات المنظمات الدولية وهي تعيد نشر التغريدة وقصة النجاح عشرات المرات دون حرج لأن المحتوى الذي تعيد نشره لم يفقد قيمته بعد.
وإجمالا، يمكن توظيف المحتوى دائم الخضرة في الإعلام الإنساني من خلال التركيز على:
*أولا: قصص النجاح المصورة والمكتوبة* مع الحرص على تجنب ذكر تواريخ أو فترات زمنية في ثنايا القصة حتى لا تقلل من قيمة القصة، والتركيز على المخرجات والأثر.
*ثانيا: التركيز على الفوائد والقيمة التي تركها المشروع* أو التدخل، فبدلا من القول (سلمت مؤسسة …… خزان ماء بسعة كذا متر مكعب في منطقة ……. بمحافظة أبين يستفيد منه 5000 نسمة) يمكن القول ( 5000 فرد يحصلون الآن على مياه شرب نقية في منطقة ……. بمحافظة أبين، بفضل مشروع….).
*ثالثا: رصد انطباعات المستفيدين (مصورة، أومكتوبة)* وتحديدا ممن كان الأثر لديه واضحًا، فهذا الانطباع يمكن إعادة نشره عدة مرات فلن يفقد قيمته لأن الحديث بالتأكيد سيكون عن الأثر.
*رابعا: ربط المحتوى بنتائج الأبحاث والدراسات التي تخص مشروعك* مع الأخذ في الاعتبار أنها لاتتغير على المدى القريب، مثلا إذا كان لديك مشروع يستهدف الصيادين أو النحّالين، فإنشاء محتوى يربط مخرجات المشروع ونتائج دراسة توضح نسبة الأسر التي تعتمد على الصيد أو بيع العسل كمصدر دخل، سيعكس حجم فائدة المشروع لدى الجمهور.
*خامسا: محتوى تعليمي*، مثلا إذا كانت مؤسستك تهتم بالتعليم يمكنك تقديم نصائح حول كيفية الحصول على المنح، أو الطرق المثلي للمذاكرة وغيرها، وبين كل حين وآخر يمكنك مشاركة رابط هذه المقالة.
*خلاصة القول، لايمكن الاستغناء عن الأخبار كجزء أساسي من المحتوى الإعلامي للمؤسسة، لكن من الضرورة التوجه نحو إنشاء محتوى ذو قيمة يبرز أثر تدخلات مشاريعنا بشكل يتوافق والأموال والجهود التي بذلت لإنجاحها*.