للسلم المجتمعي عدة عوامل تشخص وجوده , وتحقيق هذه العوامل يتطلب ايجاد مجموعة من الصفات والسمات في الفئات والطوائف والجماعات المجتمعية .
ويمكن تصنيف الوسائل الى قسمين , قسم متعلق بما بين الفئات والطوائف مع بعضها والقسم الثاني : متطلبات في داخل كل جماعة وفئة .
المطلب الاول : المتطلبات المتعلقة بما بين الجماعات والفئات المجتمعية مع بعضها :
- التعاون : فالتعاون يؤدي للتقارب فهو خطوة او آلية يمكن بها ردم الفجوة بين الفئات سواء وجد من فئة معينة او بإيعازه من الدولة او حتى بمبادرات فردية تعمل على ايجاد أعمال تشترك فيها الجماعات المجتمعية .
- التكافل : يعني سد النقص الحاصل في جهة ما , وانفاذه يؤكد صدق التناغم والترابط بينها , مماينتج الوئام والمودة , ويتمثل ذلك بتقديم كل ما يحتاجه الآخرون ومنها المبادرة بتقديم العون العاجل والمستدام , وهذا بالطبع يتطلب معرفة حال الفئة الأخرى المادي ومتطلباتها وقدرتها على ذلك .
وكل نشاط ينفع في تحقيق التكافل سواء بالفعل الفردي والفعل الجمعي من الفئة أو الطائفة ككل , وفي الآية دلالة على تقديم الكفالة لغير المسلم ال تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا ) . وهذا وان كان فعلا فرديا الا انه مؤثر في العلاقة بين الفئتين ايجابا .
- التسامح : التسامح يعني ( رؤية متفهمة أو متحررة فكريا حيال العقائد والممارسات المغايرة , أو المضادة لعقائد الشخص المتسامح وممارسته ) .
وهذا التفهم يعطي الثقة للفئة الأخرى بالاطمئنان في العيش .. والتفهم للوجود هو في حقيقته إقرار بوجود الفئة الأخرى بما تحمله من آراء وافكار وله انماط منها :
- يتفهم ويقر وجود عيش حياة بين الأديان . سواء بالنسبة للمسلمين مع اهل الكتاب أو غيرهم ولوعبدة الأوثان والنيران ونحوهم , فقد جاء عن الإمام مالك إمكانية إقرار كل هؤلاء وعيشهم مع المسلمين وقال به الإمام الأوزاعي .
- وجود بفكر ديني مثل سنة وشيعة .
- ويقر بالتساوي بين العشائر والقبائل والطبقات الاجتماعية , قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير )
- التقارب : التقارب يعني إبعاد الحواجز والفواصل , فيبتعد التوجس والتخوف من الآخر ويحصل الاطمئنان ومن ثم السلم .ويحصل بالزيارات والأعمال المشتركة .. وبالحوارات ونحوها . وهناك تجارب مثيرة ينبغي الاستفادة منها …
- التعايش : التعايش في الأصل هو العيش على الألفة . ومن الطبيعي أن يوجد نوع من التعايش بين فئات المجتمع الواحد , غير أنه كلما تعمق التعايش وتوسع كلما أنتج ترابطا وثمرة سلم مجتمعي مستدام حيث تتوحد أغراض الحياة وتصبح قاسما مشتركا .
ويحصل التعايش بأمور منها الجيرة الخيرة والمشاركة في المشاريع الاقتصادية وغيرها , والتزاوج والرياضة … وفي الإسلام تتسع مجالات التعامل الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم , ويرغبهم في الصلة والعطاء لغيرهم ويجوز لهم الاستعانة بهم فيما يعود عليهم بالنفع , ويختص أهل الكتاب بحل ذبيحتهم والزواج من نسائهم .
- التكامل : هي مرحلة متقدمة في العلاقات بين الجماعات المجتمعية ولكنها مؤثرة في حصول التوافق أبلغ الأثر ومن ثم انبعاث السلم بل والتعاون على تثبيته واستدامته من الفئات بعضها البعض .
ويمكن التكامل في كل أنماط المجالات , ومن اهمها التكامل السياسي وهو عملية تتوخى اجتياز الولاءات الضيقة للجماعات الاجتماعية والثقافية تمثلها دولة مركزية ويشكل قاعدة راسخة لتوفير الأمن الاجتماعي وكفالة الاستقرار السياسي للوصول الى ما يسمى بالتكامل القومي ويقصد به – تجميع كافة الجماعات المتمايزة ثقافيا أو اجتماعيا أو عرقيا وإدماجها في اطار وحدة إقليمية , وهوية قومية واحدة .
- العدالة : وجود العدالة من قبل الحكومة نحو الفئات ومن قبل الفئات نحو بعضها البعض عامل مهم جدا في تحقيق السلم , فذلك يسد الباب أمام نوازع الشر ويقطع أفكار العنف ويبعث الطمأنينة المجتمعية .
فالعدل هو أحد مقومات السلم ( إن الله يأمر بالعدل ) .
- التوقي : من الأمراض المجتمعية : هي الأعمال التي تفت في كبد المجتمع , وتؤثر على تماسكه وسيره . وقد سماها بعضهم بالعمليات المجتمعية المفرقة , ومنها : السخرية والغيبة والنميمة .
المطلب الثاني : متطلبات متعلقة بكل فئة :
اولا: الرضا عن الواقع , والوطن : كلما رضيت الفئات عن الواقع وحالها في الوطن كلما نحت نحو الإستقرار واتخذت من السلم منهجا وسياسة مستحضرة في كل سيرها , ومن ثم سارت نافعة في كل تصرفاتها .
ثانيا : انضباط الجماعة المجتمعية : سواء في علاقاتها . ومن ذلك أيضا سلامها الداخلي سواء في مجموع الفئة أو ي كل فرد منها , ومن خلاصة أحد الأبحاث ( إن شرط العيش بسلام مع الاخر المختلف ابتداء هو العيش بسلام مع النفس ) .
ثالثا : المواطنة : معلوم أ ن ( المفاهيم الاساسية من قبيل الانتماء والمواطنة تعد حجر الزاوية ضمن أساس البنيان المبتغى للمجتمعات المتماسكة ) وفي الإسلام (يشترك جميع المواطنين في التمتع بحقوق المواطنة على اساس المساواة لغير المسلمين ما للمسلمين وعليهم , الا ما تتطلبه ضرورة احترام الخصوصيات الدينية ) .
و الانتماء الفعلي للوطن والشعور بالمواطنة ضروري في تحقيق السلم المجتمعي , فهو يوصل الفرد لحالة التكييف كعملية اجتماعية , وهي ان يتكيف الإنسان بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها , ويصبح قطعة منها وعنصرا منسجما من عناصرها , فلا يشعر بوطأة نظمها ولايضيق ذرعا بأوضاعها , بل ترسب هذه النظم والأوضاع في تكوينه وتصبح من أهم مقومات شخصيته , ومن أعز ما يحرص عليه .
رابعا : ايجاد النظام الداخلي المتماسك لكل فئة أو فئة أو طائفة او جماعة مجتمعية : لابد من وضوح النظام الذي تسير عليه كل فئة وكينونته نافعا وناجعا ومثمرا للخير وصاد لمن أراد غير الخير .ويدخل في ذلك أيضا التوحد في أداء الجماعة , إذعان الأتباع لقادتهم .
د. احمد صالح بافضل